تتسم الثقافة البريطانية بغرابتها. وكوني بريطانيًا كثير الترحال؛ أعرف حق المعرفة ماهية الانطباع السائد عنا - متحفظون، ونمتلك حسًا فكاهيًا غير مألوف إلا أنه بلا أدنى شك "حسًا راقيًا". بل وفي الواقع تتمتع المملكة المتحدة بطبيعة متنوعة ومثيرة وتتمتع بالقدر ذاته بثقافة رائعة وودودة. لذا سأوضح إليك أهم التفاصيل عن بعض السمات الخفية لثقافتنا.
المناطق ولهجاتها
إن الانطباع البديهي عن بريطانيا أنها دولة واحدة موحدة، خاصة كونها دولة صغيرة نسبيًا من حيث الحجم وعدد السكان. ومع ذلك، تتضح الاختلافات الإقليمية تبعًا للإقليم الذي تقطن فيه ولاسيما اللهجة التي تتحدثها. أما الاختلاف الذي يبدو جليًا للعيان هو حالة التمايز بين الشمال والجنوب. ويتواتر الجدل حول موضع هذه الحدود في إنجلترا. فعلى الرغم من اتفاقنا التام جميعًا أن اسكتلندا هي بالتأكيد الإقليم الذي يمثل الشمال، إلا أن هناك بعض التساؤلات الجدية حول ما إذا كانت برمنغهام هي الأولى بذلك.
أما بالنسبة لسكان ويلز، فقد حالفهم الحظ وكانوا بمنأى عن ترسيم الحدود. وعادة ما يتصف أهل الشَّمال فيما يروى عنهم بعصبيتهم وطباعهم الحادة، ولكن بما أنني شخصيًا أنتمي لأهل الشمال، فسأقولها وأنا على يقين بما أقول أنهم ألطف من أنجبتهم المملكة المتحدة. هم أهل ود وتجمعهم أواصر مجتمعية وطيدة ومنظومة قيم رصينة، كما يتمتع الشمال بسمعة طيبة لتمسكهم بالقيم ونقاء سريرتهم. وبالنسبة للجنوب، فُيعرف برفاهيته وإيقاع الحياة السريع.
ويُعرَف أهل الجنوب أيضًا بـ "لباقة حديثهم". ففي المقاطعات الشمالية، مثل لانكشاير ويوركشاير ومدن برمنغهام ونيوكاسل، تشيع لهجات مميزة مغايرة للهجة النمطية "الإنجليزية الرسمية" السائدة في الجنوب. فمثلاً، يدور النقاش حول ما إذا كانت لفظة "bath" (وتعني حوض الاستحمام) تنطق "bah-th" أو "baf". وأحبذ ألا نخوض في الحديث عن نطق لفظة "scones" (وتعني كعك). هل تنطق "scone" (كما تنطق gone) أم "scone" على غرار لفظة (alone)؟
طبقات المجتمع البريطاني
يختلف النظام الطبقي الذي يتصوره الناس اختلافًا كبيرًا عن ذلك النظام الذي جسدة المسلسل التليفزيزني البريطاني داونتون آبي "Downton Abbey". فعلى الرغم من أن وجود قلة قليلة من الدوقات والفيكونتات والإيرلات في بعض المناطق، إلا أنهم في الحقيقة فئات قلما يصادفها معظم الناس في الحياة اليومية. ومع ذلك، بحسب المكان الذي تقطن فيه، لا تزال الهياكل الطبقية الأساسية قائمة. وفي الغالب، كلما اقتربنا من لندن، تمركزت الفئات الأكثر ثراءًا. على عكس بعض الدول الأوروبية الأخرى، ففي بريطانيا يرتبط المستوى الاجتماعي ارتباطًا وثيقًا بالثروة. كما يتضمن نظامنا الطبقي أيضًا عددًا كبيرًا من السكان المسنين ذوي الثروة، مما يضفي عليه شيئًا من التعقيد الطفيف.
وفي العموم ينقسم البريطانيون إلى أربع طبقات - الطبقة العاملة، والطبقة العاملة العليا، والطبقات المتوسطة والطبقة العليا. تقع الغالبية العظمى من الشعب البريطاني في شريحة الطبقة العاملة العليا. وهي فئة تضم العمالة الماهرة، وكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية أو خريجي التعليم المتخصص. ويستحوذ العديد من أصحاب الياقات البيضاء - مثل رجال الأعمال أو موظفي المكاتب - على الطبقات الوسطى، تبعًا لمدى نجاحهم والمناصب التي يشغلونها في حياتهم المهنية. إن الفئات العالقة في الطبقات المتوسطة العليا آخذة في الازدياد، ويُعزى ذلك إلى فرض القيود الاقتصادية وحِزَم الأجور المقيدة، ولاسيما في شمال البلاد.
في الوقت الحالي، تشكل الطبقة العليا الفئة التي يتطلع الناس إليها. وفي كثير من الأحيان، حيث تستأثر الطبقة العليا - التي هي بمثابة الطبقة الراقية من وجهة نظر الأجانب - بغالبية الثروة والسلطة الفعلية في المجتمع البريطاني. تنتشر القوالب النمطية المحيطة بهذه الديموغرافية. ولكن حتى فيما بين أفراد الطبقة العليا، هناك تمايز بين "أصحاب الثروات الموروثة" و"الأثرياء الجدد". حيث ينظر إلى "الأثرياء الجدد" كمحدثى نعمة مقارنة بنظرائهم، الذين توارثوا الثروة لعدة أجيال. وفي بعض قطاعات المجتمع، لا يقتصر تأثير طبقتك الاجتماعية على طريقة حديثك فحسب، بل يحدد أيضًا المدرسة التي ترتادها والمكان الذي تقطن فيه.
حس الفكاهة
تتسم الفكاهة البريطانية بطبيعتها المتقلبة، وغالبًا لا يسهل فهمها لأولئك الذين لم يعتادوها. كما يتعذر أحيانًا معرفة الجانب المضحك في بعض الفكاهات لدى البريطانيين. وربما يرجع ذلك إلى استخدامنا لبعض الأساليب الأساسية. أولاً، التَّهكم والسخرية هي الأدوات المفضلة لدى البريطانيين عندما يتعلق الأمر بالفكاهة. ويُقصد بالتَّهكم قول عبارة ما في حين أن المقصود هو المعنى المضاد. فعلى سبيل المثال، أن تقول لشريكك في السكن، "أنت لا تحدث أي فوضى على الإطلاق،" في حين أنه دائمًا ما يتسبب في إحداث الفوضوى. وهناك أيضاً أسلوب التهوين، وهو أسلوب لا تشوبه شائبة للتعليق مازحًا على الاستهانة بحدة أمر ما. كأن تقول لشريك السكن "تلك الستائر وردية اللون بعض الشئ" في حين أن الستائر تكاد تتشح باللون الوردي.
الأطعمة
لا ترتبط بريطانيا بأكلة وطنية بعينها، على الرغم من أن العديد من المقاطعات لديها أكلات مفضلة. من الأطباق الرئيسية في ليسيسترشاير فطيرة ميلتون موبراي المحشوة بلحم الخنزير. وفي يوركشاير، تتمحور كل الأكلات حول بودنغ يوركشاير. أما على مستوى البلاد، فالبريطانيون من عشاق الأسماك والبطاطا، على الرغم من اختلاف الإضافات - صلصة الكاري وصوص البازلاء ومرق اللحم ودُقاق الخبز - كليًا باختلاف المكان الذي تنتمي إليه. وهناك اطباق أخرى مثل طبق الهاغيز في اسكتلندا، وطبق رريبيت على الطريقة الويلزية في ويلز. فضلًا عن إطلاق مسميات مختلفة على الأكلة ذاتها؛ حيث تطلق ستة مسميات على الخبز المستدير. ولا يزال النقاش دائرًا حول ما إذا كان ينبغي استبدال وجبات "الإفطار، والغداء والعشاء" بوجبتي "الإفطار، والعشاء ووجبة الشاي".